أشهر أقوال ابن الهيثم

أشهر أقوال ابن حيان: حكمة علمية وفلسفية

ابن حيان هو أحد أعظم علماء العرب في العصور الوسطى، وواحد من أبرز المفكرين الذين تركوا بصماتهم العميقة على الفلسفة والعلم في العالم الإسلامي. اسمه الكامل هو “أبو علي الحسن بن الهيثم”، ويُعرف أيضًا في الغرب باسم “Alhazen”. اشتهر بشكل خاص بمساهماته البارزة في علم البصريات وعلم الفلك والرياضيات. تميزت أعماله بأنها لم تقتصر على العلوم التجريبية فحسب، بل امتدت لتشمل فلسفات العقل والإدراك، الأمر الذي جعله مصدرًا هامًا للإلهام في الفكر الغربي والعربي.

ابن الهيثم لم يكن مجرد عالم، بل كان أيضًا فيلسوفًا، وقد تجلت رؤاه الفلسفية والعلمية في العديد من الأقوال التي تركها والتي تعكس عبقريته وقدرته على التفكير العميق. في هذا المقال، نستعرض أشهر أقواله التي نقلت عبر العصور واحتفظت بمكانتها في سجل الحكمة الإنسانية.

1. “الْعِلْمُ نُورٌ”

أحد أقوال ابن الهيثم الأكثر شهرة هو قوله: “العلم نور”. هذا القول يتجسد في معناه العميق الذي يفيد بأن العلم هو الطريق الذي يقود الإنسان إلى الفهم الصحيح للكون من حوله. في هذه العبارة، يمكننا أن نلمس فلسفة ابن الهيثم في قيمة العلم، إذ يعتبره القوة التي تنير عقول البشر وتكشف لهم الحقيقة. لا يقتصر هذا القول على العلوم التجريبية فقط، بل يعبر عن الإيمان بأن العلم في جميع مجالاته يمكن أن يكون مصدرًا للراحة الفكرية والروحية.

ابن الهيثم كان من الأوائل الذين أكدوا أهمية البحث العلمي المبني على التجربة والاختبار، ورفض الكثير من المعارف التقليدية التي كانت تعتمد على الوحي أو التخمين دون تدعيم علمي. إذا كان العلم في عينيه هو “النور”، فإن الظلام كان يرمز إلى الجهل، ويجب على الإنسان السعي إلى اكتشاف هذا النور من خلال الفهم والتجربة.

2. “إنَّ العيونَ لا تَرى الأجسامَ كما هي، وإنما ترى الأشياءَ في الظلمةِ والنور”

واحدة من أعظم إسهامات ابن الهيثم كانت في مجال البصريات. لقد أرسى نظريةً جديدة تُمثل بداية للثورة العلمية في مجال دراسة العين والإدراك البصري. في قوله الشهير “إن العيون لا ترى الأجسام كما هي، وإنما ترى الأشياء في الظلمة والنور”، يظهر ابن الهيثم فكرته الأساسية حول كيف أن العين لا تلتقط الواقع بشكل مباشر، بل تتأثر بالعوامل المحيطة بها مثل الضوء والظلام. هذا المفهوم لم يكن شائعًا في ذلك الوقت، وأثر بشكل كبير في تطور علم البصريات لاحقًا.

ابن الهيثم بين أن الرؤية لا تحدث مباشرة من العين إلى الجسم المرئي، بل من الجسم إلى العين عبر الضوء، وبالتالي فإن العين لا ترى الأشياء كما هي في الواقع، بل في حالة تفاعل مع الضوء. هذا المبدأ يعتبر حجر الزاوية في البصريات الحديثة وفتح الباب أمام العديد من الاكتشافات في هذا المجال.

3. “التجربة خير من القول”

قد يبدو هذا القول بديهيًا اليوم، لكن في عصر ابن الهيثم لم يكن العلم يُقاس بنفس المعايير التي نستخدمها اليوم. في قوله “التجربة خير من القول”، يعكس ابن الهيثم إيمانه العميق بمبدأ التجريب في البحث العلمي. كان يرى أن الفهم الحقيقي لا يأتي من المناقشات النظرية أو الاعتماد على الأقوال المجردة، بل من خلال التجربة الحية التي تثبت صحة أو خطأ الفرضيات.

هذا المبدأ أصبح جزءًا من القاعدة الأساسية في العلوم الحديثة، حيث تتطلب كل نظرية أو فرضية إثباتها من خلال التجارب العملية والملاحظات الميدانية. ابن الهيثم، من خلال هذه المقولة، كان يقيم سابقة علمية قلما اهتم بها العلماء في عصره.

4. “الشك هو أول خطوة نحو اليقين”

هذه المقولة تحمل في طياتها فلسفة ابن الهيثم النقدية والعقلانية. كان يرى أن الشك ليس عائقًا أو علامة على الجهل، بل هو بداية الطريق نحو الفهم العميق. في نظره، الشخص الذي لا يشك في شيء هو الشخص الذي لا يبحث عن الحقيقة. هذه الرؤية تدعو إلى التفكر والتأمل العميق، حيث إن الشك يدفع الإنسان إلى البحث عن إجابات أفضل وأكثر دقة.

الفكر النقدي الذي قام عليه هذا القول هو الأساس الذي بنيت عليه العديد من الحركات الفكرية في العصور التالية، من بينها الثورة العلمية التي ركزت على أهمية الشك والتجريب كوسائل لاكتشاف الحقائق العلمية.

5. “الحقيقة لا تتغير بتغير الناس”

ابن الهيثم كان يؤمن بأن الحقيقة ثابتة ولا تتغير وفقًا لرغبات أو آراء البشر. في هذه المقولة، يظهر التزامه العميق بمفهوم الثبات العلمي، حيث يُعتبر البحث عن الحقيقة عملية تتجاوز الأشخاص وتظل كما هي بغض النظر عن التوجهات الشخصية أو الثقافية.

كان يؤمن أن البحث العلمي يجب أن يلتزم بالموضوعية ولا ينبغي أن يتأثر بالأهواء الشخصية أو المصالح. كان يعتبر أن العقل البشري قادر على إدراك الحقيقة ولكن فقط من خلال منهج علمي دقيق بعيد عن الانحياز والتأثر بالعوامل الخارجية.

6. “ليس العلم أن نعرف، ولكن العلم أن نعلم ما نعرف”

هذه المقولة تعكس جزءًا آخر من فلسفة ابن الهيثم العميقة. كان يرى أن المعرفة لا تقتصر على مجرد اكتساب المعلومات، بل تتطلب فهماً عميقًا لما يتم تعلمه. في هذا السياق، يشير إلى أهمية الوعي الذاتي في عملية التعلم، حيث لا يكفي أن نعرف شيئًا، بل يجب أن نفهم كيف نصل إلى تلك المعرفة وكيف نستطيع تطبيقها بشكل فعّال.

ابن الهيثم كان يُنادي بإعادة تقييم أساليب التعلم والبحث العلمي على أساس من النقد الذاتي والوعي الكامل بحدود المعرفة البشرية. كان يعتبر أن العلم لا يتحقق بمجرد التراكم المعلوماتي، بل من خلال القدرة على استخدام هذه المعلومات بشكل مناسب.

7. “التفسير البسيط هو أقرب إلى الصواب”

في هذه المقولة، يُعبر ابن الهيثم عن فكرة بسيطة ولكنها حيوية في البحث العلمي: أن الفرضيات البسيطة هي الأكثر قابلية للاختبار والقبول. وهذا ما يُعرف اليوم بمبدأ “أوكام” في الفلسفة العلمية، الذي ينص على أن أبسط التفسيرات هي الأفضل دائمًا. يوضح ابن الهيثم هنا ضرورة أن تكون النظريات العلمية قابلة للتطبيق والتفسير بأسلوب بسيط ومنطقي دون تعقيد مفرط.

إن هذه الرؤية تدل على إيمانه بالوضوح واليسر في شرح الظواهر، وهو ما كان من أبرز مبادئ منهجيته في البحث العلمي.

الخاتمة

تُظهر أقوال ابن الهيثم كيف كان علمًا مُبدعًا وفيلسوفًا ذا رؤية عميقة. لم تقتصر إرثه على اكتشافات علمية ملموسة فحسب، بل على فلسفات كان لها تأثير كبير في تطور الفكر العلمي والإنساني. من خلال أعماله وأقواله، قدم ابن الهيثم نموذجًا يحتذى به في التفكير النقدي والعلمي، وترك تأثيرًا بعيد المدى في تطور العلم الحديث.